الخبير الدولي و الأستاذ بجامعة حلوان و رئيس شعبة الميكانيكا
أخيرًا، أُعلن عن تفاصيل خطة “اليوم التالي” للحرب في غزة، التي تقترب من دخول عامها الثالث. هذه المرة، تأتي الخطة من قلب البيت الأبيض الأمريكي بقيادة الرئيس دونالد ترامب، الذي سيرأس بنفسه هيئة دولية تُسمى “مجلس السلام”، للإشراف على تنفيذ بنود الاتفاقية المكونة من 20 بندًا.
التوقيت هو العنصر الأساسي في هذه الخطة. جائزة “نوبل للسلام”، التي يطمح ترامب للفوز بها كتتويج لمسيرته السياسية، تُعد الدافع الرئيسي وراء هذه المبادرة. خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ظهرت دلالات واضحة على أهمية الوقت كعامل حاسم في خطة ترامب.
أكد ترامب أن موافقة حماس على الاتفاقية ستؤدي إلى وقف الحرب فورًا في قطاع غزة، يتبعها مهلة 72 ساعة لعودة جميع الرهائن الإسرائيليين، أحياءً وأمواتًا، إلى ديارهم، مع السماح بدخول المساعدات الإنسانية دون شروط إلى سكان القطاع. أما في حال رفض حماس، فسيعطي ترامب إسرائيل الضوء الأخضر للقضاء على الحركة. وقد أعلن البيت الأبيض أن رد حماس النهائي متوقع خلال أيام، وفي حال كان سلبيًا، كما وعد ترامب نتنياهو، “فافعلوا بحماس ما تريدون”.
التاريخ حاسم: باب الترشيحات لجائزة نوبل للسلام أُغلق في 31 يناير 2025. ترامب يدرك أن ادعاءاته بإنهاء نزاعات في سبع مناطق حول العالم غير كافية لإقناع لجنة نوبل باستحقاقه للجائزة. لذا، هو في حاجة ماسة إلى إنجاز ملموس، خاصة بعد فشل جهوده مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الصراع في أوكرانيا. وبالتالي، فإن مدة صلاحية هذه الاتفاقية لن تتجاوز الأسابيع المقبلة، حيث سيُعلن عن الفائز بجائزة نوبل في 10 أكتوبر 2025، وأي تأخير قد يعني ضياع فرصة ترامب.
وُضعت الاتفاقية وفقًا للجدول الزمني لجائزة نوبل للسلام. ترامب، الذي يرى نفسه أكثر رؤساء الولايات المتحدة جاذبية، يحلم بتسلم الجائزة في قاعة أوسلو. لطالما تحدث عن استحقاقه لها خلال ولايته الأولى، بدلاً من الرئيس السابق باراك أوباما، الذي يُكن له ازدراء واضحًا، واصفًا إياه في المؤتمر بـ”باراك حسين أوباما”.
قبل أشهر، أُغلق الجدول الزمني للترشيحات، وكان نتنياهو على دراية بذلك. إذا كان هناك من يخشاه نتنياهو، فهو ترامب، الذي يحرص على عدم إغضابه. ومن يتابع تصريحات ترامب قبل شهرين يدرك أن هذه الخطة كانت تُعد لتحقيق تقدم ملموس قبل هذا التاريخ.
تشمل النقاط الرئيسية للمقترح، إلى جانب إنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن، نزع سلاح غزة وإعادة تأهيلها. لن تكون حماس أو الفصائل الأخرى جزءًا من الحكومة الانتقالية الدولية في غزة، وسيتم تفكيك البنية التحتية العسكرية تحت إشراف دولي. في الوقت نفسه، ستُشكل قوة دولية لتثبيت الاستقرار، مع وضع برامج لإعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية، لتحويل غزة إلى منطقة خالية من الإرهاب، تسعى للتعايش السلمي مع جيرانها.
وستُدار غزة مؤقتًا من قبل لجنة فلسطينية تكنوقراطية تحت إشراف “مجلس السلام” برئاسة ترامب، إلى أن تكمل السلطة الفلسطينية إصلاحاتها وتستعيد السيطرة بعد إطلاق سراح جميع الرهائن. في حال موافقة حماس، ستصبح غزة منطقة خالية من العنف والتطرف، لن تشكل تهديدًا لجيرانها، مع إعادة إعمارها لصالح سكانها دون ترحيل قسري، كما كان يطالب ترامب سابقًا.
وفقًا للخطة، عند اتفاق الطرفين، ستتوقف الحرب فورًا، وتنسحب القوات الإسرائيلية تدريجيًا وفق مراحل متفق عليها، مع تعليق العمليات العسكرية، بما في ذلك الغارات الجوية ونيران المدفعية. ستُجمد خطوط القتال حتى استكمال الانسحاب الكامل. خلال 72 ساعة من موافقة إسرائيل، سيُطلق سراح جميع الرهائن. وستفرج إسرائيل عن 250 سجينًا مدانًا بالمؤبد و1700 معتقل آخر من غزة، بينهم نساء وأطفال، اعتُقلوا بعد 7 أكتوبر. كما ستُسلم جثث 15 فلسطينيًا مقابل كل جثة إسرائيلية. سيُمنح عفو لعناصر حماس الملتزمين بالتعايش السلمي ونزع السلاح، مع توفير ممر آمن لمن يرغبون في مغادرة غزة إلى دول مضيفة.
ستُقدم مساعدات إنسانية واسعة النطاق للقطاع، وفق اتفاقية 19 يناير 2025. ستُدار غزة خلال المرحلة الانتقالية بلجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية، تضم خبراء فلسطينيين ودوليين، تحت إشراف “مجلس السلام” بقيادة ترامب، وبمشاركة قادة دوليين مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. سيتولى المجلس وضع إطار عمل وتمويل إعادة إعمار غزة حتى تستعيد السلطة الفلسطينية سيطرتها.
في حال رفضت حماس الاتفاق أو أخرته، ستستمر المساعدات في المناطق الخالية من الإرهاب، تحت إشراف قوات الأمن الإسرائيلية بدلاً من الجيش. كما ستُطلق مبادرة حوار بين الأديان لتعزيز التسامح والتعايش، بهدف تغيير الروايات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ومع ذلك، سيمنح ترامب إسرائيل الضوء الأخضر للقضاء على حماس.
بعيدًا عن تفاصيلها، يجب النظر إلى هذه الصفقة من منظور أوسع. فهي تحقق لإسرائيل أهداف الحرب، وتنهي عزلتها الدولية، وتُعيد تصحيح صورتها المتضررة جراء أعمالها في القطاع. في المقابل، خسرت المقاومة كل مكاسبها منذ 7 أكتوبر، مما يستدعي إعادة تقييم المشهد بناءً على موازين القوى وليس الشعارات.
تعتمد الخطة على ثلاثة اختبارات رئيسية: قبول متبادل من إسرائيل وحماس، ضمان الأمن ونزع السلاح في غزة، والحصول على تمويل ودعم سياسي مستدام من شركاء إقليميين ودوليين. بالنسبة لإسرائيل، يتركز دورها في تهيئة الظروف لدمج السلطة الفلسطينية في ترتيبات القطاع، وإعادة إحياء فكرة الدولة الفلسطينية. ورغم نظرية هاتين النقطتين، فإنهما حاسمتان ليس فقط لمستقبل النظام الفلسطيني، بل للمنطقة بأكملها.
الشرق الأوسط لن يتحول قريبًا إلى واحة سلام وازدهار، كما يروج ترامب بحديثه عن الصفقات والمال. التحديات هائلة، والنوايا جميعها قيد الاختبار.